السبت، 11 أغسطس 2012

رجل المواقف الصعبه الشريف حسين بن ناصر


الشريف حسين بن ناصر شخصية فذة، عرفت بصلابة الإرادة والعزيمة القوية وبعد النظر، فهو رجل علم من خلال تحصيله العلمي، ورجل سياسية لا يشق له غبار، ودبلوماسي عريق، صقلته المراحل الحارة التي تخطاها خلال خدماته الكبيرة ومهامه المتعددة التي نهض بها في غير مكان، فقد تحرك في المنطقة العربية، بوعي عميق بأحقية هذه الأمة بالوحدة والتحرر.
 وهو الهدف الذي قاد من أجله فرسان آل هاشم معارك الثورة العربية الكبرى، وهي الفترة التي عايشها الشريف حسين بن ناصر منذ إرهاصاتها الأولى، وحتى تحقيقها لأهدافها الكبرى، قبيل تنفيذ المستعمرين لمخططاتهم السرية، التي سعت إلى إجهاض الحلم العربي، وتقسيم المنطقة العربية شرق المتوسط بين بريطانيا وفرنسا، وهو ما تطلب من العرب خوض مرحلة جديدة من النضال لتحصيل الاستقلال وتحقيق التنمية المطلوبة.
ولد الشريف حسين بن ناصر في مدينة الطائفة الحجازية العريقة، والتي تعد من الحواضر الناشطة علمياً وتجارياً، وكانت ولادته في الثاني من شهر شباط عام 1906، وشهد منذ طفولته التحولات التي بدأت تتسارع وتيرتها بسرعة لافتة، كان يرقب ذلك بعد أن التحق بالمدارس الحجازية للدراسة، وقد ضمت هذه المدارس خيرة من معلمي وعلماء الأمة في تلك الفترة.
 شكلت الحجاز بؤرة جذب لوجود مكة المكرمة والمدينة المنورة في قلبه، وبعد أن قطع شوطاً في الدراسة في الحجاز، انتقل إلى عاصمة الدولة العثمانية اسطنبول، مرافقاً والده الذي كان في ذلك الوقت عضواً في مجلس الأعيان العثماني، لما تمتع به من مكانة في الحجاز، وفي اسطنبول أكمل الشريف دراسته حيث وفرة المدارس والمعاهدات العلمية، وقد برع باللغات الغربية فقد تمكن من إجادة اللغة الفرنسية واللغة الإسبانية وكذلك اللغة الإنجليزية بالإضافة للغة التركية.
أقام الشريف حسين بن ناصر في اسطنبول حتى عام 1923، وقد عانى خلال سنواته إقامته الأخيرة في العاصمة التركية من التفرقة العنصرية والمضايقات المتعددة، نتيجة قيام الثورة العربية ودور الهاشميين في قيادتها، فغادرها متوجهاً إلى العراق، حيث تم المناداة بالملك فيصل بن الحسين ملكاً على العراق، بعد استفتاء شعبي عام.
 عند وصول الشريف حسين بن ناصر إلى العراق انخرط في الحياة الإدارية والسياسية العراقية، فقد عينته الحكومة العراقية كاتباً في الديوان الملكي العراقي في بغداد خلال الفترة من عام 1929 إلى عام 1935، واستطاع أن يثب قدراته الإدارية وأن يوظف مهاراته اللغوية في عمله، مما أهله للتقدم السريع في عمله داخل الديوان الملكي العراقي، فقد تم ترقيته إلى منصب مساعد رئيس التشريفات الملكية العراقية بين أعوام 1938-1942، وهو عمل كشف عن مزيد من قدراته في إنجاز مهامه وتحمل أعباء المسؤولية مهما صعبت وثقلت أوزانها.
عين الشريف حسين بن ناصر مساعداً لرئيس الديوان الملكي العراقي، وهو منصب كبير تطلب سمات شخصية ومهارات وخبرات إدارية، وهو ما وضع الشريف حسين موضع الثقة ومحل التقدير، نظراً لاجتهاده وتفانيه في العمل، وقد مكنته اللغات الغربية لتي أتقنها في إثبات نفسه خلال فترة زمنية قصيرة، معتمداً على نفسه وجهوده الذاتية، مما منحه حب وتقدير وثقة كل من عمل معه، وقد استمر ينهض بأعباء مسؤولية هذا المنصب خلال الفترة بين عامي 1942 وحتى 1944، بعدها تم تعيينه رئيساً لديوان النيابة العامة العراقية، حيث استمر عمله رئيساً لديوان النيابة العامة حتى عام 1946.
بعد مناصبه الإدارية المتعددة انتقل الشريف حسين بن ناصر إلى العمل الدبلوماسي، حيث عين عام 1946 قنصلاً عاماً للعراق في مدينة القدس، فقد مثل الحكومة العراقية في هذه المدينة الأساسية في المنطقة، وقد استمر في مهمته هذه حتى عام 1948، حيث شهد هذا العام تحولاً أساسياً في حياته العملية، فقد قرر الإقامة في الأردن والاستقرار فيها، وقد واصل في الأردن عمله الدبلوماسي، بعد النجاح الملحوظ في عمله الدبلوماسي خلال الفترة السابقة، فقد عين وزيراً مفوضاً للأردن في العاصمة التركية أنقرة عام 1949، وقد مكث في أنقرة مدة عام، حيث تم بعد ذلك تعيينه وزيراً مفوضاً للأردن في العاصمة الفرنسية باريس وكذلك العاصمة الإسبانية مدريد عام 1950، وهي دول أتقن الشريف حسين بن ناصر لغاتها، مما مكنه من القيام بمهامه الدبلوماسية بنجاح كبير.
لقد اكتسب خبرة دبلوماسية كبيرة، وعمل على توطيد العلاقات الدولية الأردنية مع عدد من الدول، فقد عين سفيراً للمملكة الأردنية الهاشمية في اسبانيا خلال الفترة من عام 1953 وحتى عام 1961، فبعد هذا التاريخ كان الشريف حسين بن ناصر على موعد مع منصب كبير جديد، وذلك بصدور الإرادة الملكية السامية بتعيينه رئيساً للديوان الملكي الهاشمي العامر في عمان بتاريخ السادس عشر من شهر تشرين الثاني عام 1963، وجاء تعيينه في هذا المنصب بعد استقالة أحمد اللوزي من رئاسة الديوان، وبقي في رئاسة الديوان حتى أوكلت إليه مهمة تشكيل الحكومة الأردنية بعد استقالة حكومة دولة سمير الرفاعي السادسة، وقد شكل الشريف حسين بن ناصر الحكومة بتاريخ 21/4/1963، وقد تسلم بالإضافة لرئاسة الوزراء حقيبة وزير الدفاع، وعندما قرر وزيرا الداخلية والخارجية الاستقالة للترشح للانتخابات النيابية، تولى بنفسه هاتين الحقيبتين، وبعد عدة أشهر استقالت حكومته، ليكلف بتشكيل حكومته الثانية على التوالي.
شكل الشريف حسين بن ناصر الحكومة الثانية بتاريخ 9/7/1963، وحمل فيها حقيبة وزارة الخارجية بالإضافة لرئاسته الحكومة، لكنه عندما أجرى تعديلاً على حكومته أسند حقيبة وزارة الخارجية إلى السيد أنطوان عطا الله، بعد استقالة حكومته عاد الشريف حسين بن ناصر إلى منصبه رئيساً للديوان الملكي بعد استقالة بهجت التلهوني من رئاسة الديوان، وكان تعيينه رئيساً للديوان بتموز عام 1964 واستمر في منصبه حتى شهر آذار من عام 1967، وعمل على تطوير عمل الديوان ومأسسة كثر من أعماله، وكان حلقة وصل حقيقية بين جلالة الملك والشعب، وعندما غادر منصبه في رئاسة الديوان الملكي تحمل المسؤولية مكانه دولة وصفي التل.
بعد خروجه من الديوان الملكي كلف الشريف حسين بن ناصر بتشكيل حكومته الثالثة، التي شكلها بتاريخ 4/3/1967، واحتفظ فيها بحقيبة وزارة الدفاع، غير أن هذه الحكومة لم تستمر طويلاً بسبب الظروف الإقليمية، لذا استقالت بعد شهر تقريباً، وحال استقالة حكومته تم تعيينه بمنصب وزير البلاط الملكي خلال الفترة من 24/4/1967 إلى 15/6/1967، حيث عين بعد هذا التاريخ رئيساً للديوان الملكي العامر للمرة الثالثة، وذلك بتاريخ 16/6/1967 بعد استقالة دولة وصفي التل، واستمر بمنصبه هذا حتى تاريخ 15/6/1969 عندما استقال وأحيل على التقاعد (سلطان الشياب. رؤساء الديوان الملكي الهاشمي) وقد عين عضواً في مجلس الأعيان الثامن 1969-1971 وكذلك مجلس الأعيان التاسع والعاشر حتى 23/11/1974 حيث آثر الهدوء والابتعاد عن الأعمال الرسمية والإعلام.
نال الشريف حسين بن ناصر خلال مسيرته الحافلة بالعطاء عددا كبيراً من الأوسمة المحلية والعالمية منها: أوسمة أردنية من الدرجة الأولى كوسام الكوكب والنهضة والاستقلال وذكرى الاستقلال والنهضة المرصع، ووسام الأرز اللبناني، والرافدين العراقي، وهمايون الإيراني، ووسام بولوني، والمحمدي المغربي، والاستحقاق الإسباني، ووسام النجم الساطع الصيني. توفي الشريف حسين بن ناصر عام 1982 في عمان ودفن في المقابر الملكية الأردنية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق